الخصخصة في الكويت: انطلاقة جديدة..شمال الزور نموذجاً

  • 2020-02-04
  • 13:08

الخصخصة في الكويت: انطلاقة جديدة..شمال الزور نموذجاً

  • الكويت – "أوّلاً- الاقتصاد والأعمال"
أشهر قليلة تفصل شركة شمال الزور الأولى للطاقة والمياه عن الإدراج في بورصة الكويت، لتكون أولى الشركات المطروحة بموجب قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وتكتسب هذه الخطوة أهمية كبيرة كونها تؤسس لمرحلة جديدة عبر إعادة إحياء الخصخصة كخيار اقتصادي في المشاريع التي يجري طرحها حديثاً، وذلك بعد أن بقي هذا الخيار معطلاً لسنوات كما هي الحال مع خصخصة قطاع الهاتف الثابت والبريد وسواها. 
تتوزع أسهم شركة شمال الزور الأولى للطاقة والمياه بنحو 50 في المئة على المواطنين الكويتيين – خصصت لهم في مطلع كانون الثاني/ يناير 2019، بعد أن اكتتبت فيها نيابة عنهم الهيئة العامة للاستثمار عند التأسيس – و50 في المئة موزعة بين الحكومة الكويتية والقطاع الخاص، حيث يملك الشريك الاستراتيجي 40 في المئة ممثلا بشركة الزور الشمالية الاولى المملوك من تحالف فرنسي -ياباني وشركة عبد الله الصقر وإخوانه.
النجاح الكبير لـ "شمال الزور" في الوصول إلى هذه المرحلة المتقدمة من التشغيل والادراج ترك نتائج إيجابية على مستويات عدة خصوصاً لدى الجهات المعنية بملف الخصخصة كهيئة الشراكة بين القطاعين والمجلس الاعلى للتخصيص. فالحكومة التي تبنت في رؤيتها "الكويت 2035" دوراً قيادياً للقطاع الخاص في النشاط الاقتصادي وأكدت على ضرورة رفع كفاءة الإنتاج، باتت أمام نموذج ناجح وفعال يمكن تعميه على قطاعات ومشاريع جديدة، وذلك على الرغم وجود عوائق طفيفة تتعلق بالرقابة السابقة لديوان المحاسبة الجاري العمل على تجاوزها تشريعياً.

الحاجة إلى الخصخصة 

وازدادت الحاجة في الآونة الاخيرة لإشراك القطاع الخاص في العجلة الاقتصادية بعد المتغيرات الحاصلة، المتمثلة بانخفاض إيرادات الدولة بنحو 60 في المئة نتجت عن انخفاض أسعار النفط وتقييد حصة الكويت من الانتاج وفق اتفاقية (اوبك+)، لتحقق الموازنة العامة عجزاً هيكلياً استمر على مدى السنوات الخمس الماضية، وفرض تحديات كبيرة في المحافظة على معدلات النمو الاقتصادي المرجوّة.
وأظهر تقييم الخطة التنمية متوسطة الاجل "2010-2014" انخفاض نصيب القطاع الخاص في الناتج المحلي الاجمالي غير النفطي بنسبة 56.1 في المئة عن النسب المستهدفة ما مثل إخفاقاً في تنويع مصادر الدخل ومواصلة الاعتماد على النفط في توليد الناتج المحلي وهيمنة القطاعات النفطية على النشاط الاقتصادي.
ولم تتفق أرقام الخطة الاولى السالفة الذكر مع مساعي إصلاح هيكل المالية العامة برفع الايرادات غير النفطية لتمثل 30 % من إجمالي الإيرادات، إذ لم تبلغ هذه النسبة 6.7 % لمتوسط سنوات الخطة الاربعة، وهو ما أستوجب بناء استراتيجية للتعامل مع ذلك الخلل الهيكلي في الخطة الإنمائية الثانية (2015 -2020).
وتبنت الاستراتيجية في الخطة الثانية أربعة نقاط رئيسية لزيادة مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي هي:
  • رفع مساهمة الناتج غير النفطي (الخاص والعام) في توليد الناتج المحلي الاجمالي من 45.1 % كمتوسط لآخر 3 سنوات إلى نحو 64 % كمتوسط لسنوات الخطة الخمس، وبلغت مساهمة القطاع غير النفطي من الناتج المحلي في الربع الثاني من العام 2019 نحو 55.2 في المئة وفق للإدارة المركزية للإحصاء.
  • رفع مساهمة القطاع الخاص من الناتج المحلي الإجمالي إلى 41.9 في المئة والعمل على تطوير شراكات طويلة الأجل مع القطاع الخاص برؤوس أموال مشتركة تتجاوز قيمتها 8 مليار دينار، خصوصاً في صناعة البتروكيماويات وما شابهها من صناعة تحويلية، وتسريع الخطوات لتطوير منطقة الشمال كمنظومة اقتصادية وعمرانية متكاملة تقوم على تشغيل ميناء مبارك الكبير وربطه بشبكة طرق.
  • توفير حزم متكاملة من الخدمات المساندة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
  • تفعيل دور المجلس الاعلى للتخصيص. إذ أعدً جهازه الفني دراسة أولية حدد فيها 11 جهة للخصخصة منها مطار الكويت الدولي وقطاع الهاتف الثابت التابع لوزارة المواصلات ومحطة الشعيبة الشمالية وميناء الشويخ والشركة الكويتية لتزويد الطائرات بالوقود "كافكو" 

مشاريع شراكة مستقبلية

ومع إدراج أسهم شركة شمال الزور الأولى في بورصة الكويت بعد أن بدأت ببيع الكهرباء والمياه المعالجة الى الحكومة تكون الكويت قد وضعت اللبنة الأولى في خطة تنمية القطاع الخاص وأعادت رسم دور الحكومة في الاقتصاد الوطني ليقتصر هذا الدور على تنظيم ومراقبة النشاط الاقتصادي وتعزيز قوى السوق وضمان التنافسية، وفي هذا السياق بدأت الحكومة تنفيذ سياسة طويلة الأجل لتشجيع وتحفيز القطاع الخاص على الدخول في مختلف قطاعات الانتاج.

لذلك يتوقع أن يتبع الإنجاز المهم لشركة كهرباء الزور طرح المزيد من المشاريع وفقاً لنظام الشراكة الذي أثبت نجاحه في تجربة الشركة وحددت الحكومة هدفا تاليا مشروع محطة توليد الطاقة الكهربائية لمنطقة "العبدلية" ومشروع محطة الخيران لتوليد الكهرباء (المرحلة الأولى).

وستطال مشاريع الشراكة قطاعات أخرى كالصرف الصحي بينها مشروعان الأول محطة "أم الهيمان" والثاني مشروع معالجة النفايات الصلبة، بالإضافة إلى مشاريع في قطاع النقل كالمترو وشبكة السكك الحديدية وغيرها.

ويبقى التحدي الاكبر الى جانب الخطوات الاجرائية للخصخصة، إقناع الرأي العام والمواطنين بأن الخصخصة وفقاً لهذا المفهوم يتعدى كونه مجرد بيع ما تملكه الدولة الى الغير أو نقل الملكية إلى القطاع الخاص، بل كونه مفهوم شامل يغير نمط وأسلوب إدارة النشاط الاقتصادي في الدولة بهدف الانتقال بالاقتصاد من كونه ريعي يتحكم في الانفاق العام إلى انتاجي يحركه القطاع الخاص.

وطمأنت الحكومة الكويتية مواطنيها تجاه الخصخصة من خلال إشراكهم في المشاريع التي طرحت أو التي سيتم طرحها عبر برنامج الشراكة أو التخصيص إذ خصص للمواطنين 40 % من أسهم المشاريع المطروحة للخصخصة ضمن برنامج "نقل ملكية المشاريع العامة للمواطنين" ونحو 50% من رأس مال المشاريع التي سيتم طرحها وفق "نظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص" كما سيتم طرح مشاريع أخرى يشارك في تملكها وإداراتها من قبل الشباب، ويتم تمويلها من قبل الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة كمحطات الوقود وغيرها. 

يذكر أن مشروع محطة شمال الزور الشمالية الأولى لتوليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه هو الأول في الكويت وفق نظام (PPP) وكان بدأ نشاطاته التجارية في تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2016، وهو ينتج نحو 10% من اجمالي القدرة الانتاجية الحالية للطاقة الكهربائية في البلاد ويؤمن تحلية نحو 20 % من إجمالي القدرة الانتاجية الحالية من المياه المحلّاة.