قمة العلا التاريخية: المصالحة تعيد صياغة المواثيق الخليجية

  • 2021-01-10
  • 10:30

قمة العلا التاريخية: المصالحة تعيد صياغة المواثيق الخليجية

  • رشيد حسن

نجح الأمير محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية، في إدخال تعبير "التضامن" في أكثر من بيان ومناسبة على القمة الخليجية التاريخية في مدينة العلا حتى انتهى الأمر إلى اعتبار تلك المناسبة "قمة التضامن" الخليجي، وهو تعبير أراد ولي العهد السعودي أن يرتقي بصفة "التعاون" التي اختارتها دول الخليج الست في العام 1981 كعنوان عريض تجتمع تحته إلى صفة "التضامن" وهي تعبير أقوى بدرجة كبيرة ويعكس رغبته في أن تكون مصالحة قمة العلا منطلقاً لتطور نوعي في عمل المجلس من التعاون الاقتصادي إلى مرحلة "التضامن السياسي" في مرحلة تتصاعد فيها التحديات والمخاطر السياسية في مواجهة المنطقة، ويرتقي فيها هاجس الأمن الخليجي إلى مرتبة غير مسبوقة في ترتيب اهتمامات الدول الأعضاء.

الأمير محمد بن سلمان يتحدث من منطلق واقعي عندما يشدد على واجب التضامن وهو يمثل بلداً تعرّضت منشآته النفطية ومدنه ومطاراته لاعتداءات صاروخية متكررة، وهناك تهديدات يومية تتعرض لها منطقة الخليج، وأجواء توتر دائم في مياهه ومضائقه واعتداءات تطال ناقلات النفط والموانئ وغيرها. فالخليج يواجه ظروفاً إقليمية ودولية استثنائية تفرض إعادة صياغة للمواثيق ووضع تعريف جديد لمفهوم التعاون و"المصير المشترك" الذي جاء في أساس الأسباب الموجبة لتأسيس مجلس التعاون. واقع الأمر أن العلاقات الخليجية لم تظهر استجابة موحدة أو حتى متقاربة للتحديات الجديدة، وهو ما انعكس بظهور مواقف متعددة في وقت تبدو دول الخليج في أمس الحاجة إلى وحدة الصف والهدف.

لقد كانت الأزمة التي اندلعت في 5 حزيران/يونيو 2017 مؤشراً واضحاً على صعوبة استمرار تجربة مجلس التعاون من دون اتفاق واضح على الأمور السياسية وهي بصورة خاصة شؤون السياسة الخارجية والدفاع والأمن، كما إن الأزمة أظهرت أن الدول التي تعاني أكثر من غيرها من العواصف والصراعات الإقليمية وتهديدات القوى الخارجية، باتت أقل استعداداً للتسامح مع ما يمس أمنها من أجل الإبقاء على مظهر الوحدة الشكلية بين دول المجلس. ولهذا السبب، فضّلت السعودية والامارات والبحرين ومصر عند نقطة معينة إشهار الخلاف وإظهار الموقف الخليجي على حقيقته لعل ذلك يجبر الجميع على الجلوس إلى الطاولة ومواجهة الواقع الخطر بميثاق سلوك جديد يتناسب مع التحديات التي تواجه المنطقة.

من هنا يمكن فهم أمور مهمة أولها أن البيان الختامي لقمة العلا تمّ التوقيع عليه من قادة دول المجلس بالإجماع، ما يجعل منه وثيقة سياسية مرجعية في تحديد التزامات الدول الخليجية في المستقبل، وثانيها هو أن البيان الذي تضمن نقاطاً عدة تميز بصورة خاصة بثلاثة مقررات تركزت على الجوانب السياسية والأمنية وهي التالية:

  1. استكمال مقومات الوحدة الاقتصادية والمنظومتين الدفاعية والأمنية المشتركة وبلورة سياسية خارجية موحدة.
  2. تعزيز التكامل العسكري بين دول المجلس تحت إشراف مجلس الدفاع المشترك واللجنة العسكرية العليا والقيادة العسكرية الموحدة لمجلس التعاون، لمواجهة التحديات المستجدة، انطلاقاً من اتفاقية الدفاع المشترك، ومبدأ الأمن الجماعي لدول المجلس.
  3. تعزيز الدور الإقليمي والدولي للمجلس من خلال توحيد المواقف السياسية وتطوير الشراكات الاستراتيجية بين مجلس التعاون والدول والمجموعات والمنظمات الإقليمية والدولية بما يخدم المصالح المشتركة.

لا بدّ من القول هنا إن شخصية وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، لعبت دوراً مهماً في اتمام المصالحة وتحديد توازن جديد في واقع التنوع في الموقف الخليجي ومساحة التفرد أو "السيادة" في علاقة الدول الخليجية في ما بينها وعلاقتها بـ "المصير المشترك" المفترض لدول المنطقة.

فالأمير محمد بن سلمان رجل تغيير ورجل رؤية ومواقف واضحة، وهو أثبت ذلك في الطريقة التي تناول بها المعضلة المزمنة للاقتصاد السعودي، وتمكن من قيادة نهضة اقتصادية واجتماعية شاملة توشك أن تضع المملكة في صف الاقتصادات المتقدمة، لكنه عندما التفت إلى المجال الخليجي وجد اختلافاً واسعاً في تقييم الوضع الإقليمي والمخاطر التي تحيط بدول الخليج، وهو اعتبر هذا الاختلاف بمثابة نقطة ضعف كبيرة للأمن الخليجي، كما اعتبره نقطة ضعف جسيمة في "الخاصرة" الخليجية للمجهود السعودي الهائل المتمثل في رؤية 2030 والنهضة الوطنية للمملكة العربية السعودية.

ويمكن لـ محمد بن سلمان أن يظهر ببساطة أن الموقف السعودي في السعي الى انجاز المصالحة يخدم تصويب المسار الخليجي ومساعدة مجلس التعاون على الاحتفاظ بحيثية حقيقية ومصداقية دولية فضلاً عن أهمية الحفاظ على الوحدة الخليجية من أن تنكسر تحت الضغوط المتناقضة للمصالح الإقليمية المتنافسة على المنطقة.

بالطبع يجب الاعتراف، بأن حكومات الخليج، رغم الصدع الاخير، حققت إنجازات ضخمة في مجالات التكامل وتنسيق السياسات الاقتصادية، بل أسست لمفهوم المواطنة الخليجية التي تقترب بدول المجلس من الوحدة الاقتصادية الكاملة، كما إن الدول المؤسسة للمجلس تمكّنت من تحقيق إنجازات كبرى في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية. ويعتبر مجلس التعاون الخليجي من التجارب الرائدة في تحقيق التكامل الإقليمي، لكن لا بدّ من الإقرار أيضاً بأن مسيرة التكامل الخليجي بدأت بالتباطؤ منذ سنوات بسبب الهاجس السيادي في مسائل مثل العملة الموحدة أو القوة الدفاعية الموحدة أو البنك المركزي الخليجي ثم أخيراً السياسة الخارجية الواحدة، وهنا بالتحديد افترقت تجربة الاتحاد الخليجي عن التجربة الأوروبية وغيرها من التجارب الاتحادية في العالم. وهنا أيضاً أدى التباطؤ في مسيرة الوحدة إلى التصدعات التي شهدناها وقد تولد تصور خاطئ بأن من الممكن الاستمرار في تجربة مجلس التعاون لكن مع احتفاظ كل دولة بخياراتها السياسية والأمنية بل وتحالفاتها حتى وإن تعارضت تلك الخيارات مع مصالح بعض دول المجلس أو مع ما يمكن تسميته "المصلحة المشتركة" لدول المجلس.

وهنا، فإن أطول وأخطر أزمة عصفت بمجلس التعاون الخليجي أظهرت لمرة ولكل مرة أن هذا التصور خاطئ ويصعب التوفيق بينه وبين أبسط أسس التعاون الإقليمي كما يصعب مع وجوده أن تطمح دول الخليج لأن تكون بمجموعها قوة إقليمية حقيقية ويحسب حسابها في موازين العلاقات الدولية.