منظومة تمويل ناضجة ورقابة البنك المركزي تؤمنان ازدهاراً آمناً لسوق العقار السعودي

  • 2021-01-11
  • 07:34

منظومة تمويل ناضجة ورقابة البنك المركزي تؤمنان ازدهاراً آمناً لسوق العقار السعودي

إنجاز كبير يستلهم طموحات رؤية 2030

  • خاص - "أوّلاً-الاقتصاد والأعمال"

 

أحد أهم أهداف البنك المركزي السعودي (ساما) هو تمكين القطاع المالي لدعم التنمية الاقتصادية المستدامة، وإدارة السياسة النقدية، وتعزيز الاستقرار المالي، بما يتواءم مع السياسة الاقتصادية للحكومة، ويدعم الأهداف التي تحددها في كل مرحلة.

ويمتلك البنك المركزي السعودي (ساما) من أجل القيام بدوره مجموعة واسعة من الأدوات، ومن أهمها: إشرافه على القطاع المصرفي وقطاع التمويل وقطاع التأمين، وقدرته على تحفيز انسياب الأموال والموارد المتاحة نحو القطاعات التي تحظى في وقت معين بالأولوية في سياسات التنمية الحكومية، كل ذلك مع الحرص الدائم على قوة وسلامة السوق واستقرارها، وعلى ثقة المستثمرين والعملاء.

 

إن أحد أهم الأهداف التي أطلقتها رؤية المملكة 2030 في العام 2016 كان التمكين الاقتصادي للأسر السعودية عبر جعل النسبة الغالبة (70 في المئة) منهم مالكون لمنازلهم قبل حلول العام 2030، وهذا عندما كانت نسبة هؤلاء لا تتجاوز الـ 52 في المئة في العام 2017، أي بعد عام من إطلاق رؤية المملكة 2030. ويتماشى مبدأ المملكة في تعميم الملكية الخاصة للمنازل مع أحد أهم سمات الدول المتقدمة، كما إنه يتماشى مع خطط المملكة، لتحقيق الرخاء ورفع جودة الحياة للمواطن السعودي.

إن التوصل إلى زيادة نسبة السعوديين المالكين لمنازلهم من 52 في المئة إلى 70 في المئة في مدة زمنية قصيرة، كان تحديّاً هائلاً للدولة وللمؤسسات والجهات المعنية كافة، ولاسيما البنك المركزي السعودي - ساما الذي تمكّن في مدة قياسية من ملاقاة خطط التحول الوطني، عبر تطوير منظومة التشريعات والقواعد التنظيمية لسوق التمويل العقارية، ثم تطوير سوق متكاملة للتمويل العقاري والسكني يمكنها أن تلبي احتياجات مختلف الفئات، وتمّ استكمال ذلك بتعميق السوق وزيادة سيولتها، عبر إضافة خدمات إعادة التمويل العقاري، وطرح إمكانية خلق سوق ثانوية للقروض العقارية، وكذلك إمكان استخدام القروض المدعومة بالأصول العقارية، لإصدار سندات في السوق المالي السعودي (التسنيد).

إن القفزات الكبيرة في القروض الإسكانية الممنوحة من المصارف السعودية في العامين 2019 ثم 2020؛ يمكن اعتبارها شهادة حاسمة على نجاح تلك الاستراتيجية والجهود الحكومية الجبارة، التي استهدفت وضع المملكة في مصاف الاقتصادات المتقدمة، عبر إطلاق سوق التمويل العقارية بمكوناتها كافة في المملكة العربية السعودية.   

أما الآن فإن سوق التمويل العقارية في طريقها إلى أن تصبح ربما القطاع الأكبر المستقطب لقروض المصارف والمؤسسات التمويلية، بدلاً من قروض الاستهلاك، وكذلك مساهماً بارزاً في الناتج المحلي، وفي تطوير السوق وصناعات البناء. وبينما كان حجم التمويلات العقارية السكنية الممنوحة من البنوك والمصارف السعودية خلال العام 2016 لا تتجاوز 14.9 مليار ريال؛ فإن حجم التمويلات العقارية السكنية الجديدة والممنوحة من البنوك بلغت 74.35 مليار ريال خلال العام 2019، بينما بلغ حجم التمويلات العقارية السكنية الممنوحة منذ بداية العام 2020 وحتى نهاية شهر نوفمبر من العام 2020 120.8 مليار ريال.

من أجل إدراك حجم هذا التحول السريع في السوق المالي السعودي؛ نذكر أن سوق الإقراض العقارية Mortgage lending في سوق عمرها مئات السنين مثل: بريطانيا التي يبلغ عدد سكانها نحو 66 مليون نسمة؛ قُدِّر بنحو 100 مليار دولار في نهاية العام 2019، كما إن هدف الدولة السعودية في رفع نسبة الأسر السعودية المالكة لمنازلها من 52 في المئة في العام 2017 إلى 70 في المئة في العام 2030؛ سيجعلها في موقع متقدم حتى على سوق مثل بريطانيا؛ إذ إن نسبة المالكين لبيوتهم تقدر حاليّاً بنحو 65.1 في المئة، كذلك إن نحو 68 في المئة من الكنديين هم مالكون لمنازلهم، ونسبة كبيرة من الدول تقل نسبة ملكية المواطنين لمنازلهم فيها عن نسبة 50 في المئة من المجموع. 

دور البنك المركزي السعودي (ساما)

أدى البنك المركزي السعودي (ساما) دوراً أساسيّاً في وضع الأسس لسوق التمويل العقارية؛ وذلك من خلال سن الأدوات النظامية اللازمة من أهمها (نظام التمويل العقاري ولائحته التنفيذية) والتي تهدف إلى تحقيق نمو مستدام ومتوازن في السوق العقارية وتوفير التمويل العقاري لجميع شرائح المجتمع، وإيجاد كلفة تمويل معقولة لعقود التمويل العقاري، ورسم سياسات احترازية لإدارة المخاطر المتعلقة بالقطاع العقاري. هذا، وتتجلى اختصاصات البنك المركزي بتنظيم قطاع سوق التمويل العقارية وفقاً للمادة الثانية من اللائحة التنفيذية لنظام التمويل العقاري، وله في سبيل ذلك:

  1. الترخيص لشركات التمويل العقاري بمزاولة نشاط التمويل العقاري، وفقاً لأحكام النظام، ونظام مراقبة شركات التمويل، ولوائحهما.
  2. اتخاذ الإجراءات اللازمة للمحافظة على سلامة القطاع واستقراره وعدالة التعاملات فيه.
  3. اتخاذ الإجراءات اللازمة لتشجيع المنافسة العادلة والفعالة بين الممولين العقاريين.
  4.  إصدار القواعد والتعليمات لتنظيم عمل القطاع.
  5. اتخاذ الوسائل المناسبة لتطوير القطاع، والعمل على توطين وظائفه، ورفع كفاءة العاملين فيه، بتنظيم التزامات الممولين العقاريين في شأن تدريب الموارد البشرية ورفع مهاراتها وتنمية معارف العاملين في القطاع.

 

وكما إن النظام يعدّ البنك المركزي عيناً ساهرة على انتظام عمل القطاع المالي في مختلف المجالات؛ فقد كان من الطبيعي أن ينيط به مهمة الإشراف على المنظومة المتكاملة لسوق التمويل العقارية بما يحفظ الاستقرار، ويساعد السوق العقارية على القيام بدورها الاقتصادي والاجتماعي، ويجنبها المشكلات التي تعرضت لها أسواق عديدة؛ بسبب ضعف الرقابة والأطر المنظِّمة والمتابعة والإجراءات الاحترازية. ولتحقيق هذا الغرض؛ أعطى النظام صلاحيات واسعة للبنك المركزي على نشاط التمويل العقاري، وإعادة التمويل، والتأمين التعاوني، وصيغ البيع، وتسجيل العقود، وغيرها من العمليات، وفرض على جميع الأطراف بصورة خاصة قواعد محددة لاحتساب المخاطر وسياسات مالية الهدف منها الحفاظ على استقرار السوق، من ذلك مثلاً: توجيه البنك المركزي لشركة إعادة التمويل العقاري بعدم الإفراط في منح التسهيلات بما يؤثر سلباً في التوازن في السوق. ويطلب البنك المركزي من الجهات المعنية كافة تزويده ببيانات وتقارير منتظمة عن نشاطها، وهو يعتمد على قاعدة البيانات الواسعة هذه من أجل التقييم المستمر لاتجاهات السوق ومؤشراتها، بحيث يمكنه استخدام الوسائل العديدة التي يملكها من أجل المحافظة على الاستقرار واحتواء المخاطر التي قد تنجم عن التطور العفوي، أو التسليف الواسع غير المتحوط لفورات النشاط العقاري والسكني التي شهدتها أسواق عديدة، علماً أن هذه الفورات كانت في العام 2008 في أساس الانهيارات المتوالية التي تعرضت لها السوق المالية العالمية، وما زالت تعاني من آثارها حتى اليوم.

أضف إلى ذلك، أن البنك المركزي يؤدي دوراً أساسيّاً في حماية حقوق جميع الأطراف؛ وأولهم المستفيد الذي فرض - بهدف حمايته - الزامات إفصاح وشفافية عديدة في عقود البيع والتمويل والتسعير، وهيكل تكلفة القرض، وغيرها من عناصر التعاقد، لذلك قام البنك المركزي بتوفير صيغ نموذجية لعقود التمويل العقاري وذلك بصيغتي الإجارة والمرابحة، كما يقوم البنك المركزي بمراجعة نماذج عقود التمويل العقاري التي يصدرها الممولون العقاريون، والتأكد من مطابقتها لتلك الصيغ النموذجية، ومدى تحقيقها للحماية الواجبة للمستهلك والمستفيد. على سبيل المثال، يلزم البنك المركزي جهات التمويل بتوثيق عقود المرابحة وفقاً لحقيقتها التعاقدية بحيث تنقل ملكية العقار للمستفيد وترهن لجهة التمويل وذلك بالاتساق مع نظام الرهن العقاري المسجل. هذا، وقد رخّص البنك المركزي لشركتي تسجيل عقود والتي بدورها تقوم بتسجيل عقود الإيجار التمويلي بما يساهم في حفظ حقوق طرفي العقد.

 وبصورة عامة، فإن أنظمة التمويل العقاري والإيجار التمويلي ولوائحهما التنفيذية جعلا أول أهدافهما توفير أكبر قدر من الشفافية في الحقوق والواجبات الناجمة عن عقود التمويل العقاري.

 

إدارة ديناميكية

أحد الأهداف المهمة للبنك المركزي السعودي ليس وضع الأطر والسياسات  فقط التي يوجه باعتمادها من قبل أطراف سوق التمويل العقارية، بل هو أيضاً متابعة نتائج تلك السياسات؛ للنظر في إمكان تعديل ما يتبين عدم ملاءمته منها لظروف السوق أو لأهداف الدولة في تطوير السوق العقارية، وتشجيع المواطنين على التقدم بطلبات تمويل لشراء منازلهم الخاصة، وفي مايو 2018، قام البنك المركزي بإصدار مبادئ التمويل المسؤول للأفراد والتي تهدف إلى تعزيز جودة التمويلات الممنوحة للأفراد ما يساهم بالمحافظة على استقرار القطاع المالي وبما لا يؤثر على نمو القطاع من خلال تشجيع التمويل المسؤول الذي يلبي الاحتياجات الفعلية لعملاء البنوك وشركات التمويل خصوصاً تلك المتعلقة بالحصول على المساكن والأصول بدلاً من الأغراض الاستهلاكية وتعزيز الشمول المالي من خلال توفير التمويل المناسب لجميع فئات المجتمع، مع مراعاة نِسَب التحمّل ضمن نطاق يمكن للعميل تحمله، وضمان العدالة والتنافسية بين الممولين بما يحافظ على فاعلية الإجراءات والآليات المتبعة من قبلهم وضمان كفاءتها. وعلى سبيل المثال، فقد نصت اللائحة التنفيذية لنظام التمويل العقاري عند دخولها حيّز التنفيذ في نوفمبر 2014 منحًى محافظاً عندما حظرت على جهات التمويل منح ائتمان بأي صيغة بما يزيد على 70 في المئة من قيمة المسكن؛ على أن يلتزم طالب التمويل بدفعة أولى قدرها 30 في المئة من قيمة العقار.

لكن الشرط الأخير ووفقاً لأوضاع السوق لتلك الفترة من انخفاض العرض وارتفاع الأسعار وضعف القدرة الشرائية، أدت إلى تباطؤ في معدل نموّ القروض العقارية الذي لم يتجاوز 8 في المئة  في 2015 مقارنة مع العام 2014، في حين تراوحت نسب النمو (حتى في غياب نظام للتمويل العقاري) ما بين 17 في المئة و34 في المئة خلال الفترة الممتدة ما بين 2009 و2014.

وبعد دراسة الأوضاع السائدة لسوق التمويل العقارية وتحسن البيئة التنظيمية والتشريعية للقطاع، قام البنك المركزي بزيادة نسبة التمويل إلى قيمة العقار من 70 في المئة إلى 85 في المئة في مارس من العام 2016 وذلك للتمويلات المقدمة من شركات التمويل العقاري فقط، كما تمت زيادة نسبة التمويل إلى قيمة العقار للمسكن الأول تدريجياً  من 70 إلى 85 في المئة في يناير من العام 2017 للبنوك وزيادته مرة أخرى من 85 في المئة إلى 90 في المئة في يناير 2018 لجميع الممولين العقاريين.

محرك أساسي للتنمية

يعدّ إطلاق المملكة العربية السعودية لقطاع التمويل العقاري على أسس متينة وفي ظل رقابة البنك المركزي؛ أحد الإنجازات الضخمة - فعلاً- التي تحققت نتيجة لطموحات رؤية المملكة 2030، والتي حملت بذور التحولات كافة التي تشهدها المملكة بصورة حثيثة منذ العام 2016.

إن إطلاق سوق التمويل العقارية بمنظومتها المتكاملة يضع الأسس لمساهمة هذا القطاع بصورة متزايدة في التنمية الاقتصادية السعودية، ويساهم في زيادة الخيارات السكنية والتمويلية للمواطن، وفي تنمية الاقتصاد الوطني، وتحفيز القطاع الخاص وقطاع البناء والصناعات والخدمات المرتبطة به، والمهم هو أن المملكة حققت هذا الإنجاز مع ربطه بمؤسسات ومبادرات تستهدف كلها مساعدة محدودي الدخل على امتلاك منزلهم؛ سواء عبر القروض المدعومة، أو عبر جمعيات الإسكان التعاوني، أو حتى عبر حملات التبرع المنتظمة للمواطنين.