هل يحرق الدولار وقود اللبنانيين؟

  • 2020-01-24
  • 13:38

هل يحرق الدولار وقود اللبنانيين؟

  • كريستي قهوجي

ليست أزمة المحروقات في لبنان وليدة أمس قريب، أو من مخلّفات ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر. فلطالما عانى اللبنانيون مما كانوا يطلقون عليه دائماً مصطلح "أزمة البنزين" والتي كانت تطلّ برأسها بأشكال مختلفة، فهي تارة من فعل الشركات المستوردة وأخرى من شركات التوزيع وأصحاب المحطّات، وبين الجهتين يعيش المواطن اللبناني ظروفاً صعبة تذكره بمراحل تاريخية مرّت عليه سابقاً.

لكن ما فاقم الأزمة في الآونة الأخيرة كان تذبذب سعر الدولار وارتفاع سعر صرفه مقابل الليرة اللبنانية، وقد شكّل هذا الأمر الحجة الرئيسية التي استند إليها أصحاب المحطات في إعلان الإضراب أكثر من مرة، بسبب عدم قدرتهم على تأمين الدولار لدفع ثمن الوقود، علماً أن الحصة الملقاة على عاتقهم هي تأمين 15 في المئة فقد من الفاتورة بالعملة الصعبة.
هذه المشكلات دفعت أصحاب المحطات إلى الوقوف أمام خيارين، إمّا إعلان الإضراب المفتوح أو رفع سعر صفيحة البنزين 1900 ليرة. لكن كيف توصّل أصحاب المحطات إلى ذلك؟

دراسة على عجل

أخيراً أجرت نقابة أصحاب المحطات في لبنان دراسة تقييمية "بهدف الخروج بالقرار المناسب"، وقد أظهرت الدراسة أن هناك خسارة يتكبدها أصحاب المحطات نتيجة الفرق الحاصل بين كلفة شراء البنزين والمازوت وسعر البيع إذا ما تمّ الاعتماد على الجدول الذي تضعه وزارة الطاقة لجهة احتساب الجعالة (الأرباح القانونية)، وذلك على اعتبار أنهم مضطرين لتأمين 15 في المئة من ثمن المحروقات بالدولار وفقاً لسعر السوق السوداء (سعر الدولار يتراوح بين 2000 إلى 2300)، علماً أن الـ 85 في المئة المتبقية يتم دفعها بحسب السعر الرسمي (الدولار=1507 ل.ل).

ووفقاً للدراسة فإن الكلفة الإجمالية لصفيحة البنزين 95 أوكتان على أصحاب المحطات تبلغ 24818، أمّا سعر البيع فمحدد رسمياً من قبل وزارة الطاقة بـ 24900 ليرة يتضمن الجعالة (الأرباح) البالغة 1900 ليرة، وإذا ما خصمنا الجعالة من الـ 24900 فإن خسائر أصحاب المحطات تبلغ 1818 ليرة في كل صفيحة بنزين. وبالحسبة نفسها تبلغ خسائرهم في كل صفيحة ديزل (مازوت) 1382 ليرة في كل صفيحة، وذلك إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن التكلفة الكلية لكل صفيحة (سعر الشراء=1882 ليرة) في مقابل سعر بيع محدد بـ 18200 ليرة مع جعالة مقدرة بـ 700 ليرة لبنانية.

البراكس: هذا استهداف للقطاع

النتائج التي توصّلت إليها أصحاب المحطات في دراستها، دفعت نقيب أصحاب المحطات في لبنان سامي البراكس إلى التأكيد بأن هناك استهداف للقطاع خصوصاً أن الدولة تصدر جدول أسعار أسبوعي ويقوم أصحاب المحطات بالالتزام به. وفيما يبدو على أنه اتهام ضمني للشركات المستوردة بالتلاعب بالأسعار، يشير البراكس إلى أن الشركات الموزعة لا تلتزم بالجعالة الخاصة بها والمحددة من قبل الجهات الرسمية وتقوم بوضع التسعيرة التي تناسبها، مشيراً إلى أن وزارة الطاقة غائبة عن هذا الأمر وتكتفي بتسطير محاضر ضبط لا تقدّم ولا تؤخر.

وحول الخطوات التي من الممكن أن تتخذها النقابة، يوضح البراكس أن النقابة في انتظار تحرّك وزير الطاقة الجديد في هذا الاطار، وعليه كان تأجيل الجمعية العمومية للنقابة والتي كانت مقررة اليوم الجمعة إلى موعد يحدد لاحقاً. لكن ذلك، وفقاً لبراكس، لا يمنع من وجود توجه لدى أصحاب المحطات إلى الإضراب مجدداً وإما لزيادة جعالة إضافية بما يعادل 1900 ليرة، قائلا: "جعالتنا تأخذها الدولة، وبضاعتنا ندفع ثمنها نقداً وهي ملكنا ولا يحق لأحد أن يصادرها منا"، وهنا أيضاً يبدو تلميحاً ضمنياً بأن أصحاب المحطات قد يلجأون إلى وضع تسعيرة خاصة بهم متفلتة من أي ضوابط رسمية!

وإذ يمنح النقيب وزير الطاقة الجديد الوقت للعمل على ضبط الامور مفسحاً المجال للحوار، يؤكد أن التزام الشركات الموزعة والمعنيين بالتعاميم والقرارات الرسمية من شأنه أن يسهل الأمور، موضحاً من ناحية أخرى أنه كان يتعيّن على وزيرة الطاقة السابقة ندى بستاني أن تصدر جدول أسعار يوم الثلاثاء الماضي قبل الإعلان عن تشكيل الحكومة، مشيراً إلى أن النقابة سترسل كتاباً الى رئيس الحكومة الجديدة حسّان دياب ووزير الطاقة والمياه ريمون غجر للوقوف عند رأيهم في تغيير جدول الأسعار.

فياض: الحل الوحيد يكمن بتسعير البضاعة بكلفتها الحقيقية 

بدوره، يؤكد رئيس تجمع الشركات المستوردة للنفط في لبنان جورج فياض أن سبب أزمة المحروقات يعود إلى ارتفاع سعر الدولار الأميركي أمام الليرة اللبنانية في السوق السوداء، لافتاً النظر إلى أن الشركات الملزمة بجدول أسعار البيع الذي تضعه وزارة الطاقة  أسبوعياً، تستورد بالدولار الأمر الذي أدى إلى مشكلة كبرى عند تسعير البضاعة.

ويضيف فياض أن مصرف لبنان تدخّل عندها وأقر دفع 85 في المئة من ثمن البضاعة بالليرة اللبنانية بحسب السعر الرسمي للدولار في حين تتكفل الشركات المستوردة بالـ 15 في المئة المتبقية وتدفعها بالدولار، وهنا فإننا مضطرون للحصول على الدولار بحسب سعره في السوق السوداء، وهذا يكبدنا خسائر. وهنا يوضح فياض أن لا مانع من تحرك جدول  أسعار وزارة الطاقة بحسب سعر الدولار في السوق،خصوصاً أن عدم قدرة الوزارة على إجراء تعديلات جذرية على جدولها بات يؤدي إلى مكشلات كبيرة في الأسعار. 

ويلفت فياض الانتباه إلى مشكلة أخرى تتعلق بالاختلافات الجوهرية لجهة تقاضي المستحقات بين الشركات المستوردة وبين أصحاب المحطات الذين يبيعون بالليرة اللبنانية بسعر ثابت ومحدد وهذا ما يؤدي إلى خسارة المحطات لجزء من أرباحها، مضيفاً: "من سيتحمل الفرق في هذا الأمر؟" 

يجيب فياض أن أحداً لا يمكنه تحمّل هذا الفرق الذي يكبر يوماً بعد يوم نتيجة تذبذب سعر الدولار في السوق السوداء، مشدداً على أن الحل الوحيد يكمن في تسعير البضاعة بكلفتها الحقيقية وأن تضاف إليها الجعالات، فيرتفع بذلك سعر صفيحة البنزين في المحطات 1000 او 1500 ليرة، لأن هذا الحل مناسب للمستهلك لناحية وجود البضاعة في السوق بشكل طبيعي بدلاً من السير في السوق السوداء.

ويتحدث فياض عن واقع علينا "أن نقبله أو نرفضه"، وإذا رفضت الدولة تقبّل هذا الواقع عليها أن تدعم الأسعار من خلال ضريبة الـ7000 ليرة التي تفرضها على الصفيحة، مضيفاً أن لا أحداً يريد التحرك في هذا الموضوع ويريدون تحميل قيمة الفرق في الأسعار للمستهلكين.

ويضيف أن وزارة الطاقة استوردت البنزين والمازوت وسمحت الوزيرة بستاني لمنشآت النفط ببيعها بنسبة 15 في المئة بالدولار و85 في المئة بالليرة اللبنانية وكانت بستاني تعتقد بأن مصرف لبنان سيمنح الوزارة نسبة 100 في المئة كفرق عملة، لكن الوضع خلاف ذلك إذ لا يستطيع أن يقوم بهذه الخطوة لأنها تعتبر منافسة غير مشروعة مع الشركات المستوردة للنفط.

أبو شقرا: الحل بالحوار مع كل الاطراف

من جهته، يرى ممثل شركات التوزيع فادي أبو شقرا أن موضوع فرق الدولار الأميركي هو المشكلة الأساس التي يواجهها قطاع المحروقات في لبنان خصوصاً أن أصحاب المحطات لا يستطيعون تأمين نسبة 15 في المئة بالعملة الصعبة،  وكذلك الامر على الموزعين وذلك بسبب التفاوت بين الدولار الرسمي ودولار السوق السوداء.

ويدعو أبو شقرا إلى حل الموضوع بالحوار مع كل الأطراف المعنية وموضحاً أنه ضد فرض أي جعالة بقيمة 1900 ليرة لافتاً انها كانت طرحاً من الطروحات الموجودة، مؤكداً عدم وجود أزمة محروقات في البلاد.

في المحصّلة، البنزين والمازوت من الحاجيات الاساسية للمواطن اللبناني كالخبز والطحين فعلى كل جهة تحمّل مسؤوليتها من أجل الخروج من الأزمة الصعبة التي يمر بها لبنان، وعلى الحكومة الجديدة ووزارة الطاقة المسارعة فوراً لإنقاذ الوضع كي لا تتفاقم الأمور أكثر من ذلك. فهل تنجح المساعي لايجاد الحلول وتنفيذها ام نشهد عودة للاضرابات والطوابير الطويلة امام محطات البنزين؟