ماذا يعني اختيار سلطان الجابر لرئاسة قمة المناخ؟

  • 2023-01-31
  • 17:36

ماذا يعني اختيار سلطان الجابر لرئاسة قمة المناخ؟

  • كتب فيصل أبوزكي

 

اعتاد وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، رئيس شركة أدنوك الإماراتية، وأحد قادة "ديبلوماسية المناخ" سلطان الجابر على اللهجة التي تريد تحميل الدول المصدرة للنفط المسؤولية الكبرى عن تردي المناخ، في حين لا تزال الدول الصناعية الكبرى تتحمل مسؤولية النسبة الكبرى من الانبعاثات خلال القرون الماضية، في مقابل نسبة لا تذكر تساهم بها دول الخليج والبلدان النامية عموماً.

وعلى الرغم من الضغوط والحملات المستمرة على الوقود الأحفوري، يقف الجابر وخلفه قيادة الإمارات العربية المتحدة بثقة، مدافعاً عن موقف الدول النفطية، ومؤكداً على دورها الكبير المتوقع في مواجهة أزمة المناخ، داعياً الذين ينشغلون بالمقاربات غير العملية إلى العمل المشترك بغية التوصل إلى نتائج، لأن بقاء مسافة متباعدة بين المواقف، يعني أن الأزمة ستبقى من دون حل فعّال.

في القمم المناخية التي كان فيها من الشخصيات البارزة، كان موقف الجابر دوماً يتمثل في أن النفط هو وقود مهم لا يمكن للعالم أن يستغني عنه بالسرعة التي يروج لها من جانب مجموعات الضغط المناخي، وأن الدول الغربية هي التي ساهمت بارتفاع الأسعار، لأنها بدأت في تطبيق سياسات مناهضة للنفط وتقليص العرض في بلدانها، قبل أن يتوافر لها البديل، وأن مواجهة أزمة المناخ تحتاج إلى تعاون الجميع وإلى تركيز الجهود العلمية والابتكارات التكنولوجية والاستثمارات، لجعل النفط أقل احتواء على الكربون وبالتالي تحديد أثره على البيئة.

لكن أهم الأوراق التي تعزز موقف الجابر وتسمح له بالأخذ والرد مع جماعات المناخ الراديكالية غالباً، هي أنه إلى جانب عمله كرئيس لشركة أدنوك، يعتبر من أكثر المسؤولين الخليجيين نشاطاً في مجال تطوير الطاقة المتجددة عبر "مصدر" الذي ساهم في تأسيسها وترأسها لسنوات. وقد استثمرت دولة الإمارات في نحو 70 مشروعاً للطاقة المتجددة حول العالم بما فيها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في 27 دولة حول العالم.

دينامو التسويات

ويعتبر سلطان الجابر أحد أكثر المسؤولين النفطيين الخليجيين حضوراً في المنتديات البيئية العالمية، وفي قمم المناخ وفي الندوات الحوارية حول الموضوع، والتي تعقد في مراكز الأبحاث والجامعات والمنابر العالمية الاخرى. وقد تجمعت له الخبرة في الموضوع والبراعة في عرض المواقف والتقريب بينها وبلورة التسويات، وكلها أوراق مهمة ربما ستساعده في أن يكون أفضل رئيس لقمة المناخ على مدى القمم الكثيرة التي انعقدت حتى الآن، كما إن هذا الدور المحوري يجعل الجابر المحرك النشط لديبلوماسية المناخ من منظور الدول المنتجة للنفط ومن ابرز المدافعين في الأندية الدولية والمناخية عن وجهة نظر هذه الدول.

لهذه الأسباب، لاقى تعيين الجابر تأييداً جامعاً إلا من بعض ناشطي المناخ الذين احتجوا بالإشارة إلى أن الجابر رئيساً لشركة نفط، الأمر الذي لا ينسجم مع تكليفه رئاسة مؤتمر يبحث في التغيير المناخي. لكن في المقابل، رأت الغالبية من المسؤولين المشاركين في "كوب 28 "، أن الخبرة المزدوجة للجابر في مجالي الطاقة الأحفورية والطاقة المتجددة، توفر فرصة غير مسبوقة لقمة المناخ المقبلة لأنه سيكون قادراً على مساعدة الافرقاء المختلفين في التوصل إلى تسويات وحلول عملية.  وقد أيّد الاتحاد الأوروبي والولايات المتّحدة وروسيا واليابان وغيرهم اختيار الجابر رئيساً لـ "كوب 28"، مشيرين بصورة خاصة إلى أنه يتولى مباشرة المجهودات الإماراتية لتخفيف الانبعاثات وتطوير مصادر الطاقة المتجددة بتكلفة تنافسية، بما في ذلك بناء أكبر حقل لإنتاج الطاقة الشمسية في العالم.  وذكرت محطة CNBC الأميركية أن الجابر هو بالفعل الرجل المثالي لرئاسة قمة المناخ المقبلة في أبوظبي في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. وقال بعض المعلقين بأنها المرة الأولى التي سنشهد فيها منتجي النفط والناشطين البيئيين يدفنون خلافاتهم ويشبكون الأيدي خلف الهدف المشترك وهو خفض انبعاثات غازات الكربون وإنقاذ الكرة الأرضية من مخاطر وجودية.

وشدد خبراء بيئيون على أن الجابر سيسعى لتلافي بعض التباينات التي شهدتها "قمة المناخ 27" في شرم الشيخ في العام الماضي، وسيتمكن على الأرجح، بما يمتلك من مهارات الإقناع والتفاوض، من استكمال المهمات التي بقيت معلقة من تلك القمة، بما في ذلك إيجاد السبل لتمويل صندوق التعويض عن الكوارث المناخية الذي أطلق في القمة الماضية، لكن من دون ان تتوافر له آليات ومصادر تمويل ونظام عمل واضح.

وقد اشاع الجابر فور تسميته رئيساً لقمة المناخ المقبلة أجواء من التفاؤل والتوقعات الإيجابية، إذ صرح بالقول إن العام المقبل سيكون عاماً مفصلياً ضمن عقد مفصلي لمواجهة تحديات المناخ، مضيفاً: "سنؤسس في العمل المناخي لنهج براغماتي يركز على الحلول الواقعية".

الانتقال العادل

يعبر الجابر عن الموقف الجماعي لدول الخليج بالدعوة إلى "انتقال واقعي" من الوقود التقليدي إلى الطاقة المتجددة المجدية اقتصادياً، وهذا التشديد على الجدوى الاقتصادية يندرج من الواقعية التي تطلبها دول الخليج، وهو أن تكون الحلول المقترحة مستدامة وألا يتم إدخالها بتكلفة عالية بل بطريقة تدريجية تضمن الجدوى عبر التطور التكنولوجي والاستثمار المتواصل في مصادر الطاقة، وبالتالي الاحتفاظ بدور للنفط أثناء عملية الانتقال.

ويتحدث الجابر أيضاً (معبراً عن وجهة نظر دول الخليج) عن مبدأ "الانتقال العادل"، أي الذي يعطي الفرصة للجميع ويضمن ألّا يتم على حساب دول ومجتمعات لم تحصل على فرصة التطور الاقتصادي في السابق، ولا تريد تالياً أن تحرم من تلك الفرصة ومن ثم تحميلها قدراً من التضحيات يتجاوز طاقتها.

عمل سلطان الجابر في اللجنة العليا لاستدامة الطاقة التي كونها الأمين العام للأمم المتحدة وتلقى في العام 2012 جائزة الأمم المتحدة للريادة في مجال الطاقة في العالم (بطل الأرض)، وهي جائزة تمنح لـ "أصحاب الرؤية الرياديين والقادة في حقول السياسة والعلوم وتنمية الأعمال"، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 قرر الأمين العالم للأمم المتحدة تعيينه مبعوثاً خاصاً للتغير المناخي في دولة الإمارات، وهو موقع كان شغله في الفترة من 2010 إلى 2016 من خلال رئاسته لشركة مصدر، ومساهمته بوضع خطة الطاقة النظيفة لدولة الإمارات العربية المتحدة وإطلاق برنامجها الطموح في مجال الطاقة المتجددة.

سجل إنجازات

يمثل الدور المتزايد للوزير سلطان الجابر في مفاوضات المناخ العالمية، أحد الأوجه الكثيرة لسجل إنجازات حافل في بلده الإمارات والتي يتولى فيها أدواراً ومسؤوليات واسعة في التطور الاقتصادي للبلد، إذ يشرف الجابر بصفته وزيراً للصناعة والتكنولوجيا المتقدمة بصورة مباشرة على الجهد الإماراتي المنهجي للتوسع في التنمية الصناعية، ولاسيما زيادة المحتوى المحلي من خلال الدمج بين الصناعية والتكنولوجيا المتقدمة، وتالياً مواكبة الثورة الصناعية الرابعة. ويضع الجابر في رأس أولويات الوزارة المساعدة على زيادة الميزات التنافسية للصناعات الإماراتية ودعم البرنامج الوطني لتنويع الاقتصاد، وتحقيق تكامل أفضل بين القطاعات الصناعية المختلفة واستخدام التكنولوجيات المتقدمة كعامل دفع أساسي في هذه العملية.

في العام 2016 عين الجابر رئيساً تنفيذياً لمجموعة "أدنوك" حيث عمل بتوجيه من القيادة الإماراتية على تنفيذ خطة تحول شامل في عمل الشركة تضمنت تعزيز الفعالية والإنتاجية والاداء المالي ودخول أسواق رأس المال للمرة الأولى وإنجاز أول طرح أسهم لإحدى شركات "أدنوك" وهي "أدنوك للتوزيع"، وبالتالي استقطاب استثمارات كبيرة من مستثمرين استراتيجيين. ويقود الجابر "استراتيجية أدنوك 2030" الرامية الى زيادة معدلات الربحية على العمليات، وتطوير إنتاج الغاز، وإنجاز التحول الرقمي، وتبني التقنيات الثورية لقواعد البيانات الشاملة Big Data والـ "بلوك تشاين" وتطبيقات الذكاء الصناعي وتنفيذ استراتيجية متقدمة للاستدامة.

تفعيل طاقة الغاز

وفي نطاق المواكبة لسياسات خفض الانبعاثات، ركز الجابر على تفعيل طاقة الغاز الكبيرة وتقنيات حبس غاز الكربون وتطوير الهيدروجين من خلال التحالف مع "مبادلة" و"أبو ظبي القابضة" وغيرهما، وهو ركز في مقابلة أخيرة على أن مفتاح نجاح الإمارات في هذا الميدان هو القدرة على الربط بين العرض وبين الطلب في أسواق رئيسية، وتالياً فتح أسواق دولية مستدامة توفر للإمارات فرصة تصدير الهيدروجين وتطوير خريطة طريق لخلق بيئة متكاملة لإنتاجه، ليس فقط لتزويد السوق الإماراتية، بل للوصول بالهيدروجين إلى السوق العالمية.

وقبل تسلمه لمنصبه رئيساً لـ "أدنوك"، شغل الجابر منصب الرئيس التنفيذي لقطاع الطاقة في شركة "مبادلة"، وعمل في العام 2006 على تأسيس شركة "مصدر"، ثم عمل لمدة سبع سنوات كرئيس تنفيذي لها مشرفاً على مساهماتها في توفير التكنولوجيا النظيفة والتنمية المستدامة، وقاد في العام 2009 حملة ناجحة لاختيار "مصدر" ودولة الإمارات مقراً لوكالة الطاقة المتجددة IRENA.

وإلى مسؤولياته الواسعة الكثيرة يشغل الجابر منصب رئيس مجلس إدارة بنك التنمية الإماراتي الذي يقوم بدور مهم في توفير خدمات التمويل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في دولة الإمارات، كما يشغل منصب رئيس مجلس أمناء جامعة الشيخ زايد للذكاء الصناعي، وعمل الجابر بين العامين 2009 و2019 رئيساً لمجلس إدارة شركة موانئ أبوظبي.