ولادة الحكومة اللبنانية الجديدة التي يترأسها نجيب ميقاتي تواجه اليوم عدداً من التحديات المالية العاجلة وفي مقدمها إتخاذ قرار بشأن مصير توحيد سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، بدلاً من وجود خمسة أسعار له كما هي الحال الآن. وهذه المهمة المالية العاجلة التي سيتولاها وزير المالية الجديد يوسف الخليل الآتي من مصرف لبنان المركزي ليست منفصلة عن استحقاقات داخلية وخارجية. فعلى المستوى الداخلي، هناك في نهاية أيلول/سبتمبر الجاري ينتهي العمل بتعميم مصرف لبنان الرقم 151 المتعلق بالسحوبات الشهرية وفق تسعيرة 3900 ليرة للدولار الواحد، أما على المستوى الخارجي، فهناك دعوات متكررة من صندوق النقد الدولي لتوحيد أسعار الصرف وتطبيق برنامج اصلاح واضح المعالم من أجل الشروع في عملية مساعدة لبنان للخروج من أزمته المالية غير المسبوقة في تاريخه.
والسؤال الكبير حالياً: ما هو السعر الرسمي الجديد لصرف الدولار؟ وقياساً عليه سعر صرف سائر العملات مقارنة بالليرة اللبنانية؟
تحاذر أوساط المصرف المركزي تقديم جواب، أخذاً في الاعتبار المبررات التي جرى تقديمها عند صدور التعميم الرقم 151. وأبرز هذه الاعتبارات، أثر رفع سعر صرف السحوبات بالنسبة الى الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية في الأسواق وتالياً سعر صرف الدولار في السوق، ما قد يؤدي حتماً إلى زيادة حجم الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية ومن ثم رفع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، لكن هذا الكلام يدور فقط على مسألة السحوبات من المصارف من الودائع بالدولار، ولم يصل بعد الى البحث في سعر صرف موحد.
مع قرب انتهاء العمل بالتعميم 151 دخلت لجنة المال والموازنة على خط تعديل سعر صرف السحوبات والسقوف الشهرية، على أساس أن 3900 ليرة للدولار حالياً يؤدي إلى اقتطاع ما نسبته 85 في المئة من ودائع المواطنين مقارنةً بسعر دولار السوق السوداء. ولاحظ رئيس اللجنة النائب إبراهيم كنعان في مقابلة تلفزيونية، انه "لمجرد القول إن الرئيس نجيب ميقاتي توجه الى بعبدا بعد ظهر الجمعة الماضي، وان هناك إمكانية لتشكيل حكومة، تراجع سعر صرف الدولار 3 آلاف ليرة، ما يؤكد ان هناك تأثيرات اخرى على سعر الصرف وبينها الاستقرار السياسي، ثم استمر سعر صرف الدولار نزولاً الى 14 الف ليرة ثم صعد الى 15 الفاً، ولا شيء يمنع ان ينزل سعر صرف العملة الخضراء الى 10 آلاف أو 12 الف ليرة".
وقال:"عندما صدر هذا القرار كان سعر صرف الدولار في السوق السوداء 7 آلاف ليرة واصبح اليوم 20 الفاً، هذا يعني ان العوامل الأخرى التي تتطلب معالجة هي الاستقرار السياسي وادارة السوق والاستهلاك والمضاربات والاحتكار والتهريب والتخزين والدعم الذي كان سارياً عشوائياً والاستيراد بالحساب الجاري الذي يبلغ 4 مليارات دولار سنوياً".
في المؤتمر الدولي لدعم لبنان الذي انعقد في باريس من خلال تقنية الفيديو، شارك من خلاله 33 بلداً و13 منظمة دولية و5 ممثلين عن المجتمع المدني اللبناني.
وصرّحت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا: " نحن بحاجة الى نظام نقدي وأسعار صرف موثوق بها، يدعمه توحيد أسعار الصرف".
بدوره، صرّح رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس أمام المؤتمر"أن العملة والنظم المصرفية في لبنان في حالة انهيار".
وكما ورد سابقاً، فإن هناك حالياً 5 أسعار صرف في لبنان، فالى السعر الرسمي الذي هو 1500 ليرة، هناك سعر 8000 ليرة للمحروقات، ثم سعر منصة "صيرفة" التي بدأت على 12000 ويفوق التداول الـ15000 ليرة حالياً، وصولاً إلى السوق السوداء التي ناهزت الـ20000 ليرة.
هل بالامكان توحيد سعر صرف الدولار في لبنان، كما دعت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي؟
غداة تشكيل الحكومة، وجّه موقع "أوّلاً-الاقتصاد والأعمال" هذا السؤال الى مسؤول مالي رفض الكشف عن اسمه، فأجاب "ان سعر 12 الف ليرة للدولار يبدو منطقياً، " لكنه أشار الى خطوات لا بدّ أن تسبق توحيد سعر صرف الليرة ولاسيما ما يتعلق بتنظيم الدعم الذي يأخذ في الاعتبار القوة الشرائية لليرة التي فقدت نحو 90 في المئة من قدرتها منذ أن ارتفع سعر الصرف من 1500 حتى ناهز الـ 20 الفاً.
في المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد الاعلان عن تشكيل الحكومة قال الرئيس ميقاتي: "إن هناك خطة ستنفذها الحكومة، وسيتم طرحها في أسرع وقت للقيام بانقاذ البلد، أما في ما يتعلق برفع الدعم، فنحن اليوم وصلنا الى النهاية، "ومنشفين"، فمن أين سنأتي بالدولار لمواصلة الدعم؟ ليست لدينا رغبة في رفع الدعم، ولكن ليس هناك أموال للدعم، هذه ليست رغبتنا، ولكن لم يعدّ لدينا أي احتياطات او أموال للمساعدة، وتالياً علينا جميعاً ان نتحمل".
ويشير المسؤول المالي في هذا الصدد "ان الدعم الذي يستفيد منه جميع المواطنين هو الذي انتهى، والبحث جار عن وسيلة لدعم الفئات الأكثر تضرراً من انهيار القوة الشرائية لليرة"، وأوضح أن هذا الامر يتطلب بضعة أسابيع لكي يظهر في صورته النهائية.