ما وراء الهبوط الكبير في عملات الأسواق الناشئة؟
ما وراء الهبوط الكبير في عملات الأسواق الناشئة؟
تراجع أسعار الصرف حسّن موازين المدفوعات لكن ما السبب وراء الاستثناء التركي
- رشيد حسن
كأن وباء كورونا لم يكن كافياً لإضعاف اقتصاد العديد من الأسواق الناشئة، فها نحن نشهد تعرض العديد منها لضغوط كبيرة على عملاتها منذ مطلع العام الحالي، إذ خسرت الليرة التركية وراند جنوب أفريقيا والريال البرازيلي نحو 20 في المئة من قيمتها منذ مطلع العام، وخسر الروبل الروسي والبيزو المكسيكي 15 في المئة من قيمتهما، وحصل هذا الهبوط على الرغم من ضعف الدولار وتراجع سعر صرفه تجاه عملات العالم الرئيسية.
عدم امتلاك الاقتصادات الناشئة لبنى صحية قوية
او استراتيجيات واضحة لاحتواء الوباء ضاعف من الأزمة
وعلى الرغم من أن ضعف الاقتصاد والإدارة الاقتصادية هما من الأسباب الأساسية لتراجع عملات الأسواق الناشئة، فإن تعرض تلك الأسواق لجائحة كورونا من دون امتلاكها لبنى صحية قوية أو استراتيجيات واضحة لاحتواء الوباء، ضاعف من الأزمة الصحية على اقتصاداتها وعزز مخاوف مديري المحافظ تجاه قدرتها على التعامل مع الوباء ومع التحديات الاقتصادية التي تواجهها، وبدأت بذلك منذ آذار/مارس ونيسان/أبريل من العام الحالي موجة خروج كبيرة من الأسهم والسندات في تلك الدول، أدت إلى تدهور سريع في أسعار صرف العملات وإلى تزايد الضغوط التضخمية في الاقتصاد.
ويقدر المعهد الدولي للتمويل IIF أن العام الحالي شهد خروج نحو 77 مليار دولار من محافظ الأسهم والسندات المستثمرة في الدول النامية الرئيسية (باستثناء الصين)، وقد عاد نحو 23 مليار دولار من تلك الاستثمارات في فترات لاحقة. وشهدت جنوب أفريقيا وحدها خروج نحو 4 مليارات دولار من سوق الأسهم ونحو 3 مليارات دولار من سوق السندات حتى شهر تموز/يوليو الماضي.
تراجعات بالجملة
ومن الأمثلة البارزة التي توردها دراسة للمعهد الدولي للتمويل، على التراجع الحاد في أسعار صرف العملات في الأسواق الناشئة مثال البيزو الأرجنتيني الذي انخفض بنسبة 50 في المئة منذ العام 2017 بينما تراجع الريال البرازيلي والليرة التركية بنسبة 40 في المئة و35 في المئة على التوالي خلال المدة نفسها.
ولعب الانتشار السريع لوباء كورونا دوراً كبيراً في دفع الاقتصاد العالمي إلى إحدى أعمق أزمات الركود الاقتصادي المعاصرة، إذ من المتوقع أن تنكمش اقتصادات الدول المتقدمة والاقتصادات الناشئة على حد سواء بنسبة 2.5 في المئة هذا العام وفق تقديرات للبنك الدولي أصدرها في حزيران/يونيو الماضي، وكانت هذه أول مرة يتوقع فيها البنك انكماشاً شاملاً وبهذا الحجم من 60 عاماً.
وغني عن القول إن فشل أي دولة في وقف التدهور المفاجئ في أسعار صرف عملتها، يؤدي مباشرة إلى ارتفاع معدل التضخم نتيجة لتزايد تكلفة المستوردات وتكلفة خدمة الدين، وهو ما يؤدي بدوره إلى تدهور القوة الشرائية للمستهلكين. وتؤدي المخاوف من عدم قدرة البلد والبنك المركزي على وقف تدهور العملة إلى المزيد من الهروب للرساميل وإلى تفاقم الأثر المباشر للدين العام وعجز الحساب الجاري على المالية العامة للدولة.
أبعد من الجائحة
وبالرغم من التأثير المباشر لجائحة كورونا في المتاعب المالية للأسواق الناشئة، إلا أن دراسة المعهد الدولي للتمويل كشفت عن أن الدول النامية الرئيسية تشكو من تراجع مزمن ومستمر لأسعار صرف عملاتها وذلك نتيجة اختلالات بنيوية عميقة لم تستطع تلك الدولة التغلب عليها.
وتناولت دراسة المعهد الدولي للتمويل ما اعتبرته 9 حالات من التراجع القوي المستمر في أسعار صرف العملة المحلية منذ ثمانينيات القرن الماضي، وبالتحديد منذ الأزمة المالية الكبرى في العام 2007-2008. وعمدت الدراسة إلى إجراء مسح للأداء الاقتصادي على أثر انخفاض سعر الصرف فتبين لها أن حالات التراجع في أسعار الصرف يتبعها غالباً انخفاض ملموس في النشاط الاقتصادي، لكن في المقابل تشهد موازين الحساب الجاري تحولاً كبيراً من العجز إلى الفائض، وعلى سبيل المثال فإن الموازين النقدية لكل من الأرجنتين والبرازيل في طريقهما لتحسن كبير. على أثر انخفاض سعر صرف العملة في البلدين، واعتبرت دراسة المعهد الدولي للتمويل أن تركيا هي الاستثناء الوحيد على المثال السابق، بمعنى أن العجز في ميزان الحساب الجاري مستمر في الاتساع على الرغم من الضعف المزمن في سعر صرف الليرة التركية.
لكن ما هو سبب الاستثناء التركي؟
يعزو المعهد الدولي للتمويل الاستثناء التركي إلى الاعتماد المستمر لتركيا على النمو الاقتصادي الممول بالاقتراض، أي أن الاقتصاد التركي يتمتع بقدرة تنافسية وحجم صادرات بلغ رقماً قياسياً عشية جائحة كورونا، لكن النمو الاقتصادي التركي يتم عبر تحفيز الاقتراض على كافة مستويات السوق الأمر وهو ما أدى، إضافة إلى نمو الصادرات، إلى قفزة كبيرة في الواردات في الفترة ما بين 2017 و2019 وبالتالي فإن السبب الأساسي الذي يفسر لماذا يستمر العجز في ميزان المدفوعات التركي وضعف الليرة هو استمرار الواردات التركية على قوتها النسبية وعدم تراجعها بالنسب المطلوبة لتحسين موازينها المالية.
الأكثر قراءة
-
الزيودي: التجارة البينية غير النفطية مع الأردن تجاوزت 4.2 مليارات دولار في 2023
-
مذكرة تفاهم بين "التعاون الرقمي" و"التحكيم التجاري الخليجي" للوصول إلى اقتصاد رقمي شمولي
-
تعاون بين "أكاديمية أبوظبي العالمي" و"فنتك تيوزاديز" في مجال ابتكارات التكنولوجيا المالية
-
"هيلتون لندن متبروبول" يعيّن جورج خليفة مساعداً لمدير المبيعات والترفيه لمنطقة الشرق الأوسط
-
شبح الحرب الإقليمية يهدد الإقتصاد المصري